كيف أثرت الجائحة على الصحة النفسية عالميًا؟
شهد العالم منذ عام 2020 أزمة صحية غير مسبوقة تمثّلت في جائحة فيروس كورونا (COVID-19)، والتي لم تقتصر آثارها على الصحة الجسدية فحسب، بل خلّفت وراءها تبعات نفسية عميقة لا تزال آثارها مستمرة حتى اليوم. فقد أثّرت الجائحة بشكل كبير على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم، وكشفت هشاشة النظام النفسي العالمي أمام الأزمات.
الخوف والقلق: البداية النفسية للجائحة
مع بداية تفشي الفيروس، سادت مشاعر الخوف والقلق في المجتمعات، نتيجة الغموض المحيط بالمرض، وارتفاع معدلات الإصابة والوفيات، وغياب العلاج الواضح. وقد أدّى هذا القلق المستمر إلى زيادة اضطرابات القلق العام واضطراب الوسواس القهري، خاصة مع الهوس بالنظافة وتعقيم الأيدي، والخوف المفرط من العدوى.
كما واجه العاملون في القطاع الصحي ضغطًا نفسيًا هائلًا بسبب العمل المتواصل، والخوف من الإصابة أو نقل العدوى لأسرهم، مما جعلهم أكثر عرضة للإجهاد النفسي واضطرابات ما بعد الصدمة.
العزلة الاجتماعية والاكتئاب
فرضت معظم دول العالم إجراءات الإغلاق، والعزل المنزلي، والتباعد الاجتماعي، مما سبّب حالة من الوحدة والانعزال، خاصة بين كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وانخفضت فرص التواصل الاجتماعي المباشر، ما زاد من معدلات الاكتئاب، والشعور بالحزن، وفقدان المعنى.
الطلاب، بدورهم، تأثروا نفسيًا نتيجة تعطيل الدراسة، والتعليم عن بعد، وفقدان الحياة المدرسية الاجتماعية، ما أثّر على صحتهم النفسية والسلوكية بشكل كبير، خاصة في الفئات العمرية الصغيرة.
فقدان الوظائف والصدمات الاقتصادية
أثّرت الجائحة أيضًا على الوضع الاقتصادي للأفراد والعائلات، حيث خسر ملايين الأشخاص وظائفهم أو تعرضوا لتخفيض في الدخل، مما فاقم مشاعر الإحباط والضغط النفسي. وارتبطت هذه الضغوط بزيادة حالات القلق والاكتئاب والانتحار في بعض الدول، خاصة بين الفئات الأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية.
زيادة العنف الأسري واضطرابات النوم
أظهرت الإحصاءات في عدة دول أن العنف الأسري ارتفع بشكل ملحوظ خلال فترة الإغلاق، نتيجة الضغوط النفسية والتواجد المستمر في بيئة واحدة لفترات طويلة. كما تزايدت اضطرابات النوم والأرق بسبب القلق المفرط وتغير الروتين اليومي ونمط الحياة.
رغم هذه الآثار السلبية، دفعت الجائحة العديد من الحكومات والمؤسسات إلى الاهتمام المتزايد بالصحة النفسية، حيث أُطلقت حملات توعية، وخدمات استشارية عبر الهاتف والإنترنت، ومنصات دعم نفسي مجانية، خاصة للعاملين في الخطوط الأمامية.
كذلك أدرك كثير من الأفراد أهمية الاهتمام بالصحة النفسية إلى جانب الجسدية، وبدأوا بتطبيق ممارسات مثل التأمل، والرياضة، والقراءة، والتواصل مع المختصين النفسيين.
لقد شكّلت الجائحة اختبارًا صعبًا للصحة النفسية العالمية، لكنها في الوقت ذاته كشفت النقائص وفتحت الباب لإصلاحات طويلة المدى في هذا المجال. والمستقبل يتطلب بناء أنظمة دعم نفسي قوية، تعزز مناعة المجتمعات ضد الصدمات القادمة، وتضع الصحة النفسية في قلب السياسات العامة والرعاية الصحية.
لعلاج الاكتئاب و علاج الرهاب الاجتماعي لا تتردد بالتواصل مع مركز أسبريس للطب النفسي في الإمارات.